بقلم: حسين حجازي
نحن غاضبون وتم استفزازنا والعالم العربي والإسلامي كذلك، وأوروبا حتى أميركا اللاتينية، والعالم ككل يشعر بالغضب والاشمئزاز لما فعل دونالد ترامب. والمسألة اليوم هي التالية: لو كانت هذه الدولة أي إسرائيل التي توصف بالمارقة ونشأت بصورة غير طبيعية، ولم تكن دولة طبيعية بالمقاييس الدولية واحترام الدول لنفسها، لما شعرت بالشرف بهذا الاعتراف الذي كان بمثابة إهانة وتقريع بل وفضيحة وخزي وليس تكريمًا. إذا كان هذا الإجماع الدولي بل الكوني النادر وغير المسبوق والذي جاء عفويًا ولم نخطط له نحن الفلسطينيين، لا يضرب فقط بعرض الحائط بقرار ترامب الأخرق وكأنه لم يكن، بل يؤكد على أن القدس لا تمت بصلة للاحتلال الإسرائيلي وأنها فلسطينية. فهل هذا ما خطط له ترامب؟ والسؤال الثاني: كم يساوي إذن هذا الاعتراف؟
والواقع أنهم وصفوا القرار في إسرائيل بأنه تاريخي، لكنه في التحليل الذي يجمع عليه من الغرب الى الشرق ليس تاريخيًا ولا يحزنون. وأن دوافعه وأسباب توقيته هي ضغوط داخلية بدأت تشد الخناق حول رقبة الرئيس الأميركي، بعد اعترافات مستشاره الأمني السابق أو المقال مايكل فلين أمام المحققين أنه كاذب، قدم شهادة كاذبة بشأن التدخل الروسي في الانتخابات. وعلى ما يبدو فإن تواطؤا مشتركًا بين كلا الرجلين المتورطين بهذه القضية المشتركة، اتهامات نتنياهو بالفساد وترامب بعدم النزاهة أو الاستقامة في حملته الانتخابية، أنتجت هذا المنتج أو المخرج السياسي أو الإعلامي بحرف الأنظار عن التهديدات الجدية التي يواجهانها. ويأمل ترامب من وراء ذلك شراء نفوذ اللوبي اليهودي في معركته الداخلية ليس إلا.
أن ما هو تاريخي هو ما يكون له تأثير حاسم على مجرى الأحداث في المدى الزمني المنظور، أو ما ينطوي على تغير حاسم في هذه الأحداث أو الوقائع. لكن الذي جرى في أبعاد القرار الذي اتخذه ترامب على طريقته أو بصيغة «أنا قررت» أنه حان الوقت، فان هذا هو الواقع. فإن البعد التاريخي لرد الفعل على ذلك هو ما يتمثل الآن في انتقال الصراع لتحديد مصير القدس وربما القضية الفلسطينية ككل، إلى مستوى غير مسبوق وربما غير متوقع أو مفاجئ، ليتحول الصراع بين قوة الإجماع أو الرفض العالمي لهذا القرار، وطرف وحيد هو أميركا. حتى لو كان هذا الطرف لا يمكن اعتباره الأضعف بين مجموع العائلة الدولية.
هنا ربما عند هذا المنعطف علينا أن نرقب هذا التحول التاريخي الذي بدأ الآن ولأول مرة، كنتيجة لقرار متهور وأحمق استفز العائلة الدولية برمتها، في تجاوز المقاربة الأحادية السابقة منذ عقود تجاه حل القضية الفلسطينية من الاحتكار أو الأحادية الأميركية، الى التدويل الذي حاولت فرنسا وأوروبا العام الماضي الدعوة له عبر المؤتمر الدولي للسلام.
والمفارقة أن إرهاصات هذا التحول بدأت بموافقة ضمنية من إدارة باراك أوباما، وأن هذا المتغير الحاسم الذي يتبلور اليوم كنتيجة مباشرة لما اقدم عليه ترامب، هو ما دعا العاهل الاردني الملك عبد الله ان يؤكد خلال لقائه في عمان الرئيس أبو مازن ضرورة البناء عليه.
إن العنوان الذي سيطرحه هذا الاستقطاب العالمي الجديد من حول قضية القدس، إنما هي المسألة الكامنة دوما في صلب تعريف وتحديد قواعد النظام او القواعد التي يقوم عليها النظام العالمي، في كل مرة تكون فيها صياغة هذا النظام، تستقطب هذا الاهتمام بعد سلسلة من المتغيرات او حدوث مثل هذا التململ الدولي، الذي رافق محاولة كالتي يقوم بها دونالد ترامب للانقلاب على قواعد هذا النظام.
وهذه المسألة: هل يمكن السماح للقوة الغاشمة أو المزاج الشخصي أو الضغوط والدوافع الداخلية للرئيس الأميركي، إن تتجاهل أو تلقي بعرض الحائط القانون الدولي أو ما أقرته الشرعية الدولية أو ما يسمى بالإجماع أو الاتفاقيات الدولية؟
وبرأيي ان هذا الجدل أو الخلاف العالمي مع إدارة ترامب، هو العامل أو التحول الحاسم اليوم ليس في مصير القدس أو حل الدولتين فقط، ولكن في إعادة تعريف أسس النظام العالمي الجديد انطلاقًا من قضية القدس والمسألة الفلسطينية. ويمكن القول أنه في ظل هذا الخلاف الدولي لا قيمة أو أهمية لاعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ولو كان الأمر يقبل المزاح في هذه اللحظة التي تشهد ما يشبه انتفاضة شعبية فلسطينية وعربية ودولية، ربما هي الأُخرى غير مسبوقة في التأكيد على التزام مكانة القضية الفلسطينية. لطرحنا سؤالًا متفكهًا لمندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن ذات الحذاء الشهير بالكعب العالي، ان كان بإمكانها ان تلوح بحذائها ضد مندوبي ثماني دول بينها فرنسا وبريطانيا وإيطاليا والسويد، الذين طالبوا بعقد جلسة لمجلس الأمن للبحث في هذا المروق لرئيسها في البيت الأبيض عن قرارات الشرعية الدولية؟
والذي حدث أن ترامب أيقظ وحرك العالم الذي لم يعد بإمكانه الصمت او بلع هذه الضفادع التي يلقي بها في كل مرة بوجه هذا العالم. واذ شعروا بانه طفح الكيل، فان ما يجري هو سقوط الرهانات الخاطئة على أن أحدًا ممن ظنوا أنهم يمكنهم الصمت، يستطيع الجهر بخذلانه او الوقوف في وجه هذه الموجة الكاسحة. فأين تبخر كل ما قيل عن التطبيع السري مع الاحتلال في ظل هذه الموجة الكاسحة من الغضب في العالم العربي؟ فهل نشهد في الأيام القادمة محاولة من الرجل، الذي ربما شعر بالمفاجأة من ردود الفعل هذه محاولة لإيجاد مخرج له، وهو ما بدا في محاولة وزير خارجيته فعل ذلك.
صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"