بقلم: سما حسن
عاتبتني صديقة عزيزة تعمل مدرسة في إحدى المدارس التابعة للأونروا، لأنني لم أكتب عما يتعرض له موظفو الأونروا من عقوبات، وكذلك التقليصات الأخيرة التي طالت خدمات هذه المنظمة الإغاثية العملاقة، تُجايل نكبة فلسطين.
لا تعرف صديقتي أن مجرد الإتيان على ذكر الأونروا ينكأ جراحاً في روحي، ويفتح مواجع في قلبي، ولا تعلم أن أولى القصص التي كتبتها وبدأت تلفت لي الأنظار ككاتبة قصة قصيرة، كانت عن ذكرياتي مع مدارس الاونروا وما تقدمه من خدمات لم أرها كذلك رغم صغر سني.
رافقتنا الأونروا منذ طفولتنا، فلا أحد ينسى وقد طبع في ذاكرته الأليمة بالأحداث مراكز التطعيم التابعة لها، وكذلك المراكز الصحية، وهناك مراكز تقديم الوجبات التي كنا نرغم على الذهاب إليها، وما يعرف باسم "الطعمة"، ولست أخال لاجئا قد نسي طعم حبة زيت السمك المثيرة للغثيان، والتي كانوا يجبروننا على تناولها ونحن صغار للمحافظة على قوة أبصارنا، ويبدو أنهم كانوا حريصين على أن نرى جيداً سوء ما وصل إليه حالنا كلاجئين هجروا من بلادهم بعد نكبة فلسطين في العام 1948.
عن نفسي كرهت كل ما يشير لها ويذكرني بلجوئنا، رغم أن أمي كانت تتفاخر دوما بأن زوجها يعمل مدرسا في أحد مدارسها، ولا تسأل عن الامتيازات التي كان يحصل عليها المدرس في إحدى مدارس الأونروا حتى وقت قريب، وقبل أن تبدأ التهديدات التي تحولت إلى واقع بخصوص تقليص الخدمات التي جرت إلى فصل موظفي طوارئ وتحويل حياتهم إلى ريشة في مهب الريح مع عوائلهم.
ولكن يبدو أن النظر من زاوية للأمر، يفتح أعيننا على ما قامت به الأونروا بحق اللاجئين المشردين، فهم حصلوا على معونات وهم يحملون بطاقة اللاهوية، تخيلوا كيف يتقدم شخص لمؤسسة ما ويعترف ويقر بأنه لاجئ لكي يحصل على معونات - نظر لها البعض على أنها امتيازات للأسف.
بدأ اللاجئون فقراء معدمين، لكنهم تفوقوا بعلمهم وشهاداتهم وحرصهم على الوظائف الحكومية كمدرسين وأطباء، وتخصص المعلمون الذين يعملون في مدارس الأونروا في تخريج النوابغ من أبناء الشعب الفلسطيني، والأدلة على ذلك كثيرة وما زالت.
إذن فقد وضعنا أيدينا على مربط الفرس وهو أن الأونروا قدمت للعالم العربي - وليس لفلسطين وحدها - النخبة من المعلمين خصوصا الذين كانت تستقبلهم دول الخليج، والنخبة من الشعراء والأدباء والفنانين والقوائم تطول لو حاولنا ذكر الفلسطينيين الذين كتبوا في أدبهم وشعرهم ورسموا اللوحات التي تعبر عن مدارس الأونروا، وأجوائها، ومخيمات اللجوء وطقوس الحياة فيها، يشبه الحال زوجة الأب التي تهمل أولاد زوجها وتقدم لهم الطعام والشراب دون عاطفة وهي تعتقد أنهم سيموتون، وأنها ستنال لقب الأم الثانية في نظر الغرباء، ولكن لا الأولاد ماتوا، ولا هي تخلصت من مقولة تطاردها وهي أن زوجة الأب لعنة من الرب.
شعرت أميركا بخطر الأونروا، والتي ربما تخيل البعض أنها ستحول أبناء الوطن إلى مجهولي الهوية، وربما اعتقدت أميركا وحلفاؤها أن الأونروا ستعزل اللاجئين عن العالم، ولكنها حولتهم إلى منارة للعلم والمعرفة، وحولت المباني الزرقاء لشعار للتفوق والنبوغ، ولذلك كان لابد من البدء بخطة تقليص خدماتها والتي من أجلها بدأت الإضرابات في أنحاء الضفة وغزة خلال هذا الأسبوع، وبدأت مسيرات الاحتجاج قبل ذلك، وطرحت قضية تقليص خدمات الأونروا وما يهدد قضية اللاجئين من خطر في حال استمر الفصل والتقليص والطرد، هذه التحركات ما هي إلا وسيلة جديدة للدفاع عن الوجود الفلسطيني، الوجود الذي حاول العالم تسليمه لزوجة الأب، ولكن حسابات الحقل لا تشبه حسابات البيدر كما يقال.
عن صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"