شمس نيوز / ولاء فروانة
يحمله بتخفي ويمشي مسرعاً ويدلف بيته كي لا يراه الجيران، فهو يُصر على ألا يرى تلك النظرة في أعينِ الناس التي يفهمها أحياناً وأحياناً أخرى يتحاشى ترجمتها، وكثيراً ما يبالغ بالإحساس بها، إنه أحد الأباء الذين ابتلاهم الله بطفل معاق.
عائلات كثيرة تحاول إخفاء أمراض أبنائها أو تتحرج من الظهور بصحبتهم في الشارع خاصة إذا كانت الحالة فتاة فطبيعة المجتمع تجعل الأهل يعتقدون أن هذا ينقص من قدر واحترام ومكانة العائلة أمام الآخرين، ولكن قليلون هم من يتجرؤون على الإفصاح، وتقبل الأمر بشكل طبيعي.
وفي جانب ليس بعيداً يقوم بعض شركاء الحياة بإخفاء مرض أو إعاقة غير ظاهرة عن شريكه الآخر، خوفاً من خسرانه ثم بعد مرور فترة وجيزة أو فترة طويلة يسقط القناع وتبدأ المشكلات تطفو على السطح .
إحراج
"س.ج" ذو مكانة علمية واجتماعية رفيعة، يعاني ابنه من مرض "متلازمة داوون"، يقول لـ "شمس نيوز"، "لا أحد يعلم أو يعرف عنه، أشعر بالإحراج إذا اصطحبته معي ورآه أحد زملائي معي أو طلابي"، ويخشى أن ذلك يقلل من قدره في أعينهم ومن هيبته في عيون طلابه، لذلك يفضل أن يبقيه في البيت دائماً.
أما العشرينية أمل، التي تحدثت عن شقيقتها التي تعاني من صعوبات التعلم والنطق، أوضحت أن شقيقتها قد تعرضت لـ "حمية" في طفولتها أدت إلى ارتفاع في الشحنات الكهربائية في الدماغ أثرت عليها، فضل والدها إبقائها في المنزل وعدم أخذها مع أخواتها وأهلها حينما يخرجون إلى أي مكان، وعند وجود ضيوف بالبيت يدعوهم إلى إغلاق باب الغرفة عليها كي لا يراها الناس.
وقالت أمل، بنبرات الحزن: "للأسف والدتي نفس نظرة أبي فهي بالرغم من أنها ابنتها وتحبها تحاول أن تهتم بها بشكل خاص، إلا أنها تخشى على باقي أخواتها من العنوسة بسببها لذلك هي تؤيد أبي وتفضل إخفائها عن العالم".
أمر طبيعي
فيما لم يمنع الشابة ابتهال عبد الله شيء من مصارحة مراسلتنا، والتحدث لها عن شقيقتها "مريم"، استهلت بالقول: "لي أخت تعاني من تأخر في قدراتها العقلية إلا أننا الحمد لله نعاملها بشكل طبيعي والسبب أن أمي هي التي ربتنا على ذلك من صغرنا بأنها مثلنا، نشتري لها ما تريد وأحياناً نخرج للتنزه لأجلها فقط حينما تطلب منا ذلك، وهذا ساعدها على تنمية قدراتها بشكل كبير في التعامل مع الآخرين والفهم والاعتماد على نفسها، والحديث بشكل أفضل من السابق".
من خلال تجربتها "المريرة" شاركتنا "أم باسل" الحوار، مضيفةً: "بسبب زواج القربى رُزقت باثنين من أبناء يعانون خللاً في النطق والفهم، لكنني قمت بإلحاقهم بمؤسسات تأهيليه منذ صغرهم، وأوليت لهم رعاية خاصة، ولا أخفيكم سراً أن هذا الأمر أثر على المتقدمين لطلب ابنتي الكبرى فحينما يعلمون عن أخوتها يذهبون ولا يرجعون مرة أخرى ولن الحم لله ".
سقط القناع
وفي جانب ليس بعيداً يقوم بعض شركاء الحياة بإخفاء مرض أو إعاقة غير ظاهرة عن شريكه الآخر، خوفاً من خسرانه ثم بعد مرور فترة وجيزة أو فترة طويلة يسقط القناع وتبدأ المشكلات تطفو على السطح .
" إنها بيتوتية عاقلة طبعها هادئ، لا تحب الاختلاط بالناس وليس لديها أصدقاء"، هكذا قال لي أهلها عند تقدمي لخطبتها، لكني مع الوقت اكتشفت أن هناك خلل في إدراكها وحاولت اختبارها بأكثر من مرة حفظ بعض المعلومات أو استشارتها في بعض الأمور وقررت عرضها على طبيب، تبين لي بأنها تعاني من خلل في قدراتها العقلية، يقول"أ.ع" من سكان مدينة رفح.
ويضيف بنبرات الانكسار والدهشة: " أشعر بأن أهلها خدعوني وعلى الرغم من إنجابها لي طفلاً إلا أنني أنوي الطلاق".
أما الشابة أسماء التي تزوجت منذ عامين شاباً لم يخبرها بأنه مريض بالصرع، واكتشفت ذلك بعد رؤيتها للدواء الذي يتناوله واستشارت صيدلانياً فأخبره بأنه خاص لمرضى الصرع، ثم تبين لها بأن زوجها لن يكون قادراً على الإنجاب بسبب هذا المرض.
بعد برهة من الصمت، تابعت حديثها: " لا أحب الكذب خاصة في مثل هذه الأمور فيفترض أنّا بدأنا حياتنا على المصارحة والصدق، وذهبتُ عند أهلي لكنه لم يطلقني بعد".
الشريعة تمنع
أستاذ الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية د. ماهر السوسي أكد أن الشريعة الإسلامية دعت أن يكون الزواج مبنيا على الشفافية والوضوح لأن الزواج علاقة مثمرة بين اثنين يجب أن تكون الروابط بينهما قوية ومتينة.
ويقول السوسي لـ"شمس نيوز": "هذه الروابط لا يمكن أن تكون قوية ومتينة في حال وجود غش أو تزيف أو تزوير من قبل أحد الطرفين؛ لذلك الفحص الطبي قبل الزواج هدفه منع التزوير وبيان حال كل واحد من المخطوبين".
ويبين د. السوسي أن هناك مجموعة من الأمراض تم تسميتها من قبل الفقهاء بعيوب، هذه العيوب إذا اكتشفت بعد الزواج ولم يصدر من أحد الزوجين أي دليل على الرضا بها؛ فإن هذه الأمراض أو العيوب لا تبيح النكاح، وهذه العيوب في مجملها إما أن تكون عيوب منفرة أو إنها عيوب تمنع المعاشرة الزوجية.
وفيما يتعلق عن الأبناء المرضى أو الذين ولدوا بإعاقات خلقية فلهم في الدين كامل الحقوق والواجبات في المجتمع، لا يجوز حرمانهم منه بأي شكل من الأشكال.
إلى الطلاق
من جانبه قال الدكتور أشرف الشنطي مدير مركز أصدقاء التليف الكيسي، بأنه خلال فترة قصيرة واجَه أربع حالات طلاق بين أزواج حاملين لجينات المرض أخفوها قبل زواجهم إلا أنهم أنجبوا أطفالاً مصابين بمرض"التليف الكيسي".
وتابع: "ألقى كل طرف اللوم على الآخر ثم انتهوا إلى الطلاق، فكان من الأولى أنه بعد الفحص يجب ألا يخفوا عن بعضهم البعض تلاشيا لإنجاب أطفال مرضى يعانوا معهم طيلة فترة حياتهم عدا عن المشاكل الاجتماعية الناتجة عن طلاق الطرفين".
أما الدكتور فضل أبو هين مدير مركز التأهيل المجتمعي وإدارة الأزمات، أكد في حديثه لـ"شمس نيوز" بأن حالات كثيرة مشابهة وصلت له، وأن بعض الناس يخفون مثل هذه المعلومات عن الزوج أو الزوجة بنية تيسير الأمور، وعدم وضع المرض عقبة أمام الستر عليه، لكن سرعان ما يتم اكتشافها وأسوأ من ذلك هي الأمراض المزمنة والإعاقات.
وأضاف: "كما ويلجأ الطرف الآخر إلى الطلاق بعد شعوره بأنه قد خُدع وعرض للغش حتى بأشياء بسيطة، فهذا حقه"، مشيرا إلى أن الأهالي يسعون إلى حماية سمعة العائلة لأن ذلك يؤثر على مستقبلها ونفور الناس منهم"، منوهاً أن هذا الأمر لا يعمم ففي المقابل يوجد عائلات متفهمة تحسن التربية والتعامل مع هذه الحالات.
ودعا أبو هين الأهالي بأن تكون مثل هذه الأمور على بينه كي يتفادى الأهل حالات الطلاق المتكررة والمنتشرة في المجتمع بشكل مفاجئ بين أزواج ظنّوا التوافق بينهم، مضيفا " أيضاً بالنسبة للأهالي الذين يبتليهم الله بأطفال معاقين أو مرضى أن يحبوا أطفالهم أولاً ويقدرونهم كي تتغير نظرة المجتمع لهم فهم من يصنعونها بإيديهم وطريقة تعاملهم معهم.